قال المصنف: [فمن ذلك ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتاب الفاروق بسند إلى أبي مطيع أنه سأل أبا حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فقال: قد كفر] وليس المقصود البدوي الجاهل الذي لا يعرف شيئاً من الدين، وإنما المقصود به من يقول: قرأت القرآن ووجدت آيات الاستواء، وسمعت كلام المتكلمين، فوجدت ما ينقض ذلك فاحترت، فأصبحت لا أدري آلله فوق العرش أو غير ذلك، فهذا هو المقصود بكلام أبي حنيفة؛ فهو يقصد الشخص المتحير المتشكك بين ما جاء عن الله، وبين ما جاء عن أهل الكلام وما قاله أرسطو وأفلاطون وأمثالهم.
مثلما يقول بعض الناس اليوم: دعوا الخلافات، استوى أو لم يستوِ، دعونا نعمل للدعوة ونشتغل بالعمل الإسلامي، ولا تلفتوا لمثل هذه الخلافات..!
فقال أبو حنيفة رحمه الله: "قد كفر؛ لأن الله يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5]".
فلا كلام لأحد مع كلام الله، فكل من جاء بشيء يعارض كلام الله عز وجل فهو مردود.
ومن هنا نفهم أن المتحير المتشكك الذي يعارض كلام الله بكلام غيره -كائناً من كان- مخطئ ضال مجانب للصواب وقد يكون كافراً.
قال: "لأن الله يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] وعرشه فوق سبع سماوات. قلت: فإن قال: إنه على العرش لكن يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض، قال: هو كافر أيضاً؛ لأنه أنكر أنه في السماء، ومن أنكر أنه في السماء فقد كفر، وزاد غيره: لأن الله في أعلى عليين وهو يدعى من أعلى لا من أسفل".
استدل أبو حنيفة بدليل الفطرة وهو: أن القلوب تتجه إلى الله حال الدعاء عند الناس جميعاً -العالم والجاهل والصغير والكبير- كل من يتوجه إلى الله تعالى بقلبه ليدعوه يتجه إلى الأعلى، فهذا دليل الفطرة المغروسة في النفس.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: "وبلغنا عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي صاحب الفقه الأكبر قال: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، فقال: قد كفر؛ لأن الله تعالى يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] وعرشه فوق سمواته. فقلت: إنه يقول: أقول على العرش استوى، ولكن قال: لا يدري العرش في السماء أو في الأرض، قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر. رواها صاحب الفاروق".